بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم .. والحمدُ للهِ ربّ العالــمين .. والصّلاةُ والسّلام على المبعوثِ رحمةً
للعالمين ... حبيبنا المُصطفى صلواتُ ربى وسلامُهُ عليه وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وتابعيهِ بإحسانً إلى يومِ الدّين ..
الناظر في أمر الفتيا، وحال الإفتاء يجد فوضى عريضة، وتناقضات غريبة، وتعالماً مزرياً، وجرأة عجيبة؛ فهذا
يهدم بفتياه أصلاً شرعياً مقرراً، وذاك يتقدم ليفتي في نازلة وما هو لها بأهل، وثالث يفتي فتضحك الثكلى لفتواه، فلا عقل لهؤلاء يردعهم عمّا هُم فيه، ولا دين يمنعهم من جرأتهم المحرمة هذه على الشرع، (فاسمع ما شئت من فتاوى مضجعة، محلولة العقال، مبنية على التجري لا التحري، تُعنت الخلق، وتشجي الحلق، لا تقوم على قدمي الحق، بل ولا على قدمي باطل وحق، حـتى هـزأ بهـم كبـار الأجـراء، وقـالـوا: فتوى بفرخة)، ولو شئت أن أنقل صوراً ونماذج في هذا الباب لأصاغر قد تقدموا لسد ثغرات العلم ـ زعموا ـ لنقلت لك صفحات طوالاً.
أما الجرأة على العلماء الأكابر الأفذاذ فلا تسل عن الحال، والله المستعان، وصدق رسول الله # إذ قال: «إن من أشراط الساعة أن يُرفَع العلم ويكثر الجهل»، ولكن دع ذا؛ فليس ذا المقصود من هذا المقال، وإنما هي نفثة مصدور مما يرى ويسمع، ورحم الله دمعة (ربيعة) حين سأله رجل عنها قائلاً: أَدَخَلَتْ عليك مصيبة؟ قال: لا، ولكن استُفتِيَ من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، وبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السُّرَّاق(). وهكذا فقد تتابعت دمعات الأئمة من بعده يرددون كلمته هذه كابن الجوزي وابن الصلاح وابن حمدان وابن القيموغيرهم، كل يبكي أحوال زمانه، ويتحسر من أوضاع العلم والعلماء؛ فكيف لو رأوا زماننا، وما نحن فيه؟ اللهم فغفراناً وستراً.
والمقصود أن ما يُرى من فوضى في عالم الفتيا قد سبَّب اضطراباً في المواقف؛ فما عاد كثير من المسلمين يعرفون من يُستَفتى، وما عادوا يعرفون الحق من الباطل في خضم هذه المتناقضات، فسلك الناس في هذا الباب مذاهب شتى، منهم من أخذ بالأيسر والأسهل متى ما وقف عليه ممن كان، وحيث كان، لسان الحال يقول: والله ما أُخَيَّرُ بين أمرين إلا اخترت أيسرهما وإن كان إثماً! وآخر ذو طبع جامد متشدد قد ألزم النفس الأشد وإن كان مرجوحاً، ثم تراه يُلزِم ذلك أهله وولده ومن يعول، ومن لا يعول؛ فموضع التهمة وسوء الظن، فأوقع نفسه وأهله في حرج وضنك وما ذاك بطيب ولا مشروع، وثالث متردد حائر يريد ما يريده الله، ويطلب حكمه، لكنه لا يدري أيُقْدِم أم يُحْجِم، يظن في نفسه أنه إن أقدم فلهوى، وإن أحجم فَلِهوى، قد ضاقت نفسه بالخلاف، وود لو لم يكن خلاف، أو لو أُلزِمَ الجميع بفتوى واحدة، هي الرأي المتبع، والقول المسدد، إذن لاستراح وهان عليه الإحجام أو الإقدام
للعالمين ... حبيبنا المُصطفى صلواتُ ربى وسلامُهُ عليه وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وتابعيهِ بإحسانً إلى يومِ الدّين ..
الناظر في أمر الفتيا، وحال الإفتاء يجد فوضى عريضة، وتناقضات غريبة، وتعالماً مزرياً، وجرأة عجيبة؛ فهذا
يهدم بفتياه أصلاً شرعياً مقرراً، وذاك يتقدم ليفتي في نازلة وما هو لها بأهل، وثالث يفتي فتضحك الثكلى لفتواه، فلا عقل لهؤلاء يردعهم عمّا هُم فيه، ولا دين يمنعهم من جرأتهم المحرمة هذه على الشرع، (فاسمع ما شئت من فتاوى مضجعة، محلولة العقال، مبنية على التجري لا التحري، تُعنت الخلق، وتشجي الحلق، لا تقوم على قدمي الحق، بل ولا على قدمي باطل وحق، حـتى هـزأ بهـم كبـار الأجـراء، وقـالـوا: فتوى بفرخة)، ولو شئت أن أنقل صوراً ونماذج في هذا الباب لأصاغر قد تقدموا لسد ثغرات العلم ـ زعموا ـ لنقلت لك صفحات طوالاً.
أما الجرأة على العلماء الأكابر الأفذاذ فلا تسل عن الحال، والله المستعان، وصدق رسول الله # إذ قال: «إن من أشراط الساعة أن يُرفَع العلم ويكثر الجهل»، ولكن دع ذا؛ فليس ذا المقصود من هذا المقال، وإنما هي نفثة مصدور مما يرى ويسمع، ورحم الله دمعة (ربيعة) حين سأله رجل عنها قائلاً: أَدَخَلَتْ عليك مصيبة؟ قال: لا، ولكن استُفتِيَ من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، وبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السُّرَّاق(). وهكذا فقد تتابعت دمعات الأئمة من بعده يرددون كلمته هذه كابن الجوزي وابن الصلاح وابن حمدان وابن القيموغيرهم، كل يبكي أحوال زمانه، ويتحسر من أوضاع العلم والعلماء؛ فكيف لو رأوا زماننا، وما نحن فيه؟ اللهم فغفراناً وستراً.
والمقصود أن ما يُرى من فوضى في عالم الفتيا قد سبَّب اضطراباً في المواقف؛ فما عاد كثير من المسلمين يعرفون من يُستَفتى، وما عادوا يعرفون الحق من الباطل في خضم هذه المتناقضات، فسلك الناس في هذا الباب مذاهب شتى، منهم من أخذ بالأيسر والأسهل متى ما وقف عليه ممن كان، وحيث كان، لسان الحال يقول: والله ما أُخَيَّرُ بين أمرين إلا اخترت أيسرهما وإن كان إثماً! وآخر ذو طبع جامد متشدد قد ألزم النفس الأشد وإن كان مرجوحاً، ثم تراه يُلزِم ذلك أهله وولده ومن يعول، ومن لا يعول؛ فموضع التهمة وسوء الظن، فأوقع نفسه وأهله في حرج وضنك وما ذاك بطيب ولا مشروع، وثالث متردد حائر يريد ما يريده الله، ويطلب حكمه، لكنه لا يدري أيُقْدِم أم يُحْجِم، يظن في نفسه أنه إن أقدم فلهوى، وإن أحجم فَلِهوى، قد ضاقت نفسه بالخلاف، وود لو لم يكن خلاف، أو لو أُلزِمَ الجميع بفتوى واحدة، هي الرأي المتبع، والقول المسدد، إذن لاستراح وهان عليه الإحجام أو الإقدام